الرياضيات أربعة علوم في علم واحد ، فهي علم وفن ولغة وأداة.
ورغم أن الرياضيات ظلمَتْ كثيراً من الطلاب، ونغصتْ على البعض حياتهم، وأخرجت البعض الآخر من مدارسهم، وحوّلت مجرى حياة الكثيرين منهم إلى اتجاهات لا يُريدونها.لكنها بالمقابل ظُلمَتْ من أناس كثيرين أيضاً، فنحن مُجتمعٌ تسوده الخرافة والسحر والإشاعة،فما من أحد يروي حادثة إلا ويقال له عندما ينتهي من روايتها "صح لسانك"! دون مناقشته في صحتها.
نحن نصدق كل ما نسمع دون تمحيص، لا بل نضيف على الحادثة التي نسمعها، ثم نرويها بشكل مُغايرٍ، لكي تتناسب مع ميولنا وأهدافنا؛ لأننا لا نبحث عن الحقيقة من أجل معرفتها وتبليغها للآخرين كما أراد الله لنا أن نكون، وفي الوقت نفسه فإننا غير مستعدين لبذل الجهد الكافي لمعرفتها، حتى أننا إذا عرفناها سنحتفظ بها لأنفسنا ولا نبلغها لمن لا يعرفها.
بعضنا استصعب الرياضيات فبدأ يروي قصته معها لغيره، إلى أن أصبح كل جيل يروي للجيل الذي يأتي بعده تجاربه معها، فتوّلد في المجتمع رأيٌ عام يُقرّ بصعوبتها، وتعمّق هذا الإقرار واستفحل إلى أن أصبح مشكلة لا بد من حلها، وكعادتنا في حل المشاكل نقوم بترحيلها أو نبحث لها عن حلٍ سحري.
وساهم الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في تضخيم هذه المشكلة، فما إن يأتِ امتحان لمادة الرياضيات إلا ويتلقفه، ويجعله مادته الأولى، وينسى الاعلام رسالته، ويبدأ بتصعيد الموقف، حتى أنه في أحد السنوات وصلت صعوبة الأسئلة إلى مجلس الأمة، ونوقش "سؤال النملتين" في إحدى جلساته.
وبذلك أصبح المجتمع كله بما فيهم الطلبة يُطاردون مدرسي الرياضيات، ويتهمونهم بتصعيب المادة لزيادة ثرواتهم!
مما حدا بالمعلمين للدفاع عن أنفسهم، وذلك بتسطيح هذه المادة، وتلقينها للطلبة، لتزيد نسب نجاح طلابهم، بعد أن أصبحت هي التي تقرر صلاحية المعلم من فشله.
لهذا فقد انشغل المعلمون في كيفية تنجيح طلبتهم وليس في تعليمهم ففتحوا لهم المراكز واستبدلوا بكتبهم المدرسية مُلخصاتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع، واخترعوا لها الأسماء الجاذبة وأعدّوا لهم أسئلة مُقترحة يحفظونها قبل الامتحان.
وإن تجرأ أحد مثلي، وتكلم عن هذه المشكلة، ستجد أن الجميع ينفي وجودها، فأوُل من ينبري له الطلاب أنفسهم، فكل طالب سيدافع عن شيخه، ويأتي بعده ولي أمره ليقول: لولا فلان لما نجح ولدي،
ويتبعهم مدير المدرسة ليقول: أن فلان رفع اسم المدرسة عالياً بهذه النتائج،
ويأتي بعدهم صاحب المدرسة ليقول: أن فلان زاد عدد طلاب المدرسة، وبالتالي زاد دخلي، ورضي المساهمون عني.
تذكرتُ قصة جحا والحمار والسلطان، عندما عرض الأخير مسابقته المشهورة:
من يستطيع تعليم الحمار في زمن أقصاه عشر سنوات له مليون دينار، فلم يجرؤ أحدٌ على الدخول في هذه المسابقة، غير جُحا نفسه، وفسّر ذلك قائلاً: بعد عشر سنوات، إما أن يموت السلطان أو الحمار أو أنا!
من فيكم يدلني على طالب رسب في صفه خلال اثني عشرة سنة؟
أيُعقل أن يكون كل طلبتنا عباقرة؟
أم أننا نرحلّ المشكلة للثانوية العامة، ونطبق مقولة جحا؟
سنعود الآن إلى الرياضيات التي تسمى ملح الأرض Math is the SALT of the earth
فكلمة SALT هذه مُكوّنة من أربعة أحرف، كلّ حرف منها، هو بداية لكلمة،
فمثلا Science وتعني "علم"، اختصرت بحرف الـ S ،
والثانية Art وتعني "فن"، واختصرت بحرف الـ A ،
والثالثة Language وتعني "لغة"، واختصرت بحرف الـ L ،
والكلمة الرابعة ،Tool ، وتعني "أداة" واختصرت بحرف الـ T
وهي بالتالي علم له مفرداته ومسلماته وقواعده يستخدم الرموز والأرقام والكلمات ليبني منها نظريات حققت للبشرية حياة أفضل، وكلما تطور الإنسان أكثر كلما تطورت الرياضيات والعكس صحيح أيضاً.
وهي" فنٌ " لمن يتذوقه، فالسؤال بحد ذاته يُعتبر لوحةً فنيةً، فهو يستخدم الرسم أحياناً، ويتطلب عند وضعه الدقة والوضوح والإيجاز، فقد تفهم سؤالاً من شخص ولا تفهمه من آخر؛ لأن الأول أخرجه لوحةً جميلةً أما الآخر فلوحته كانت مُشوشة.
وجواب السؤال أيضاً يعتبر لوحة أخرى مختلفة عن الأولى، يُستخدم فيها الخيال والتنظيم والترتيب زيادةً على ما سبق،
والسؤال وجوابه معاً لوحة أخرى تتطلب القدرة على الربط بين ما هو مطلوب وما هو موجود.
والرياضيات " لغةٌ " عالميةٌ لها رموزها التي يفهمها الجميع فإشارة الجذر التربيعي مثلاً هي نفسها بكل اللغات، وعندما اكتشف العالم هذه اللغة استحدث "أولمبياد الرياضيات" للتقريب بين الشعوب والأمم.
وهي " أداة " لتعليم وتعلم كل المواد العلمية كالطب والهندسة والصيدلة وغيرها ولكل الصنائع التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية وللصعود إلى الكواكب وللنزول إلى المناجم وللحرب وللسلم.
نلاحظ مما سبق أن الرياضيات هي : Four In One أي أربعة مواد في مادة واحدة وهي علمٌ وفنٌ ولغةٌ وأداةٌ، ومن هنا جاءتها الصعوبة، وأما درجات صعوبتها فهي 0% أو 25% أو50% أو 75% أو 100%، لهذا تفاوتت الصعوبة من شخصٍ إلى آخر، فمن يتقن المواد الأربعة السابقة مجتمعة يتقن الرياضيات، ومن لا يتقن واحدة منها على الأقل يَدرسها ولكن لا يُتقنها،
ومن يُتقنها غير النخبة من طلبتنا؟
لذا، فما علينا غير اكتشاف هذه النخبة وتمييزها عن غيرها بالتدريب والتطوير واثقال عبقريتهم فى مراكز فاستر ماث على مستوى جميع مدن ومحافظات مصر والوطن العربى.
ليست هناك تعليقات: